
بعد أن سقى سعيد النخله ... نظر إلى بقية الشجر في الحديقه ... لقد سقاهم جميعا ... و لم يعد هناك ما يتوجب عمله سوى الجلوس بجانب الباب الخارجي ... فقد قاربت الساعه على الثانية و النصف ظهرا
و لم يطلب منه أحد أن يجلس هكذا بجانب الباب في هذا الوقت الحار ... لا أبيه الذي يعمل خادما في المنزل ... و لا سيده العم بو عبدالله ... و لكنه إعتاد على الجلوس بجانب الباب كل صباح و كل ظهيره ... و هما موعد ذهاب و مجيء هند من و إلى الجامعه
و هند هي بنت بوعبدالله ... هي حب سعيد الذي ليس له أول و لا آخر ... و إن كان سعيدا لا يرضى أن يفكر بها كحبيبه أو عشيقه ... فالحب هو نوع من أحاسيسنا .. و العشق توصيف لعلاقة من علاقاتنا ... أما هند ... فهي الحياة بالنسبة له ... الحياة بجميع أحاسيسها و علاقاتها
ولدا معا في نفس الشهر ... و كبرا معا ... ولعبا معا ... و نما مع السنين إرتباطهما ببعض ... أحاديث الحب التي تبادلاها صغارا صارت أكثر نضجا عندما وصلا إلى سن المراهقه ... و قد كان بوعبدالله يعلم بالأمر و لكنه لم يفعل شيئا ... فهو يدرك تماما بأن الأمور ستتغير في قلب و عقل هند مع السنين ... و لم يخطىء بوعبدالله في حساباته
فعندما دخلت هند الجامعه ... إكتشفت إن سعيد هو بن سعيد ... الخادم ... كأنما لم تدرك هذه الحقيقه إلا حينما لاحقها بالجامعه أبناء التجار و المليونيرات ... كانت ترى زميلاتها الأقل منها حظا بالجمال و المال على علاقه مع أبناء الكبار ... و إنتبهت إلى ملابس سعيد الرخيصه ... و إنتبهت إن سعيدا لن يستطيع شراء سيارة تضاهي سيارات الكبار .. بل و لاحظت للتو أن سعيد يحمل أكياس الجمعيه حينما تعود والدتها من الخارج ... و انتبهت إن أخاها عبدالله يعطي ملابسه و أحذيته القديمه لسعيد كي يرتديها ... و تذكرت كيف كان كان أبا سعيد ينهر ابنه عندما تثور كرامته و يرفض ارتداء تلك الملابس
لم تمر السنه الجامعيه الأولى ... إلا و كانت هند قد بدلت سعيد بأسامه ابن تاجر العقارات الكبير ... و قررت أن تعامل سعيد كما تعامل بقية الخدم ... و أوصلت له رسالة مفادها إنه -للأسف- ابن بوسعيد
بالرغم من حصول سعيد على الدبلوم من أحد المعاهد ... و توسلات أباه له بأن يعمل في أحد الشركات حتى لا ينتهي به المطاف خادما كأباه ... إلا أن سعيد رفض ... و باع مستقبله ... و طموحه ... من أجل أن يجلس بجانب الباب ... صباحا و ظهيرة ... ينتظرها ... و هو لا يرى أن في الدنيا شيء أهم من ذلك